Tuesday, March 18, 2014

في الحديث عن الموت .



في الحديث عن الموت لا شيء حقيقي لا شيء ملموس سوى الألم الذي تشعر به ينشأ  في معدتك متجهاً لأعلى قبل أن تدرك أخيراً المعنى الحقيقي للكلمات التي تسمعها
نحن بحاجة لعائدون من رحلة الموت, ذلك أن بعض الأسئلة بقيت دون إجابات ونحن بحق بحاجة لجواب نسد بيه جوع خوفنا من المجهول, من حقيقة الحياة الأخرى التي نمضي حياتنا هذه نعد أنفسنا لها..
في الحديث عن الموت سأكون الأسوأ ربما, ذلك أن نظرتي للموت مختلفة تماماً_لست متأكدة_ لأكون صادقة ولكنني أشعر بأنها كذلك, الموت يا رفيقي _حسب تعريفي_  لا يتمتع بالشجاعة الكافية ليضرب معك موعداً, ليواجهك وجهاً لوجه, إنه فقط يكتفي بالتربص بك عند الزوايا  وفي كل مكان تكون به.
الموت, وإن بدت الكلمة لها هيبتها إلا أنها في حقيقة الأمر كلمة بسيطة, مدخل صغير لعالم كبير, عالم هائل من التساؤلات, أين؟ كيف؟ لماذا؟ وأهم سؤال : متى ؟!
في الحديث عن الموت أيضاً سيكون من غير اللائق تجاهل الحديث عن الألم والحزن المصاحب له, المصاحب لفقدان من نهتم لأمرهم, من نعرفهم وإن كانت معرفة علاقات إجتماعية هشة, في الحديث عن الموت حديث عن هالة من الألم, ألم لطالما إرتبط في عقلنا بألم فقدان الشخص, ألم  نتمنى عدم تكرره  مجدداً في حياتنا, لكنني لا أعامل الموت بهذه الكيفية, ربما لأني لم أعرف الموت سوى مؤخراً, أنا لم أفقد أحداً أهتم لأمره حقاً من قبل_ أعني_  لطالما إرتبط الموت عندي بالمرض أو بالتقدم في السن .. الأمر يبدو قاسياً حين أقوله ولكن هذه هي الحقيقة .
لم أشعر بالموت حقأ كما شعرت به حين وطئت قدماي هذه المدينة بعد حربها قبل ثلاث سنوات, كان الأمر مختلفاً جداً عما كنت أراه في القنوات الإخبارية, كانت رائحة الموت نافذة, رائحة لا تملك تجاهلها, رائحة تلتصق برئتيك حتى تشعر بها كيد خفية تعصر قلبك و فم معدتك, الموت يا رفيقي في مكان ولكنه بعيد مادام لم يقترب منك أو من أحد تهتم لأمره وهكذا كانت علاقتي بالموت, أسمع عنه, أشاهده على التلفاز وبين حين وآخر يرد خبر وفاة أحدهم فنقوم بزيارة للتعزية..
في زيارات التعزية .. حسنا .. لا أعرف كيف أقول هذا حقاً ولكنني لم أكن أتصرف بطريقة لائقة ربما ذلك أنني وقبل عامين وحين توفت والدة صديقتي وذهبت لزيارتها حين دخلت لغرفتها ووجدتها مرتمية فوق السرير تبكي بدأت بالبكاء, لكنني لم أكن أبكي لموت والدتها .. حقاً وإن بدا ذلك قاسياً لكنني أعتبر الموت قاسِ على الأحياء, أشد قسوة عليهم من قسوته على من سرق أرواحهم على حين غرة منهم.
الموت يرافقه البكاء وبكائي عادة لا يكون على الميت, أبكي على أحبته, على من يهتمون لأمره, على ألمهم وعلى الفراغ الذي سيرتكه رحيله.  أبكي على الإبتسامات التي لن يلمحوها وعلى الصوت والكلمات التي لن يسمعوها مجدداً, أبكي على الأحضان التي سيفتقدونها في لحظات ضعفهم ... ذاك الذي غادرته روحه ربما يشعر بالألم, ربما ولكنني لست متأكدة بقدر تأكدي من ألم الأحياء, ألم المتروكين في هذا العالم.
هل سبق أن تخيلت موتي, موت أحبتي  ؟ نعم .. تخيلت موتي وموت أحبتي  مراراً ,تخيلت خبر موتي ووقعه على محيطي, على أسرتي وأصدقائي, على زملاء الدراسة والمعارف في الأوساط الإفتراضية, تخيلت بكاء والدتي, والدتي التي لا تملك إبنه سواي.. أوه كم سيكون الأمر قاسياً .. إن كنت سأحزن فعلاً,إن كان للأمر معنى وكنت لأشعر بها في تلك اللحظة فسأود حقاً إخبارها ألا تبكي .. أنا لا أخشى الموت يا أمي .. ما أخشاه حقاً هو الوحدة الناتجة عنه .
كل تلك النساء اللواتي سيتكدسن حولها وهن يرتدين الأسود, كل ذلك البكاء والنواح والألم .. كل هذا سيمحي ما أحاول رسمه على وجهها من إبتسامة, كل اللواتي سيعلو صوتهن بالبكاء وكأننها حزينات حقاً على فراقي كل اللواتي لا يعرفنني حقاً.. " كيف لكن أن تحزّن على فراقي وأنتن لا تعرفنني؟!" .. كل تلك الدموع .. أنتن أولى بها مني.
كل هذا الموت يا عالمنا الضعيف كل هذا الموت منذ  بدء الخليقة ولم تتعلم بعد التعايش معه بهدوء, كل هذا الموت لم يكن يعنيني قبل أن يسرق أحدهم مني, قبل قرابة العام من اليوم, عندها فقط شعرت بألم الموت وإعتذرت عنه, إعتذرت عن بكاء كان يخص ألمي .. لا  من فقدت ..
كل هذا الموت ولم نتعلم بعد أن ندفن حزننا مع الذين ندفنهم, لم نتعلم أن نتخلص من ذاكرة مزدحمة بهم وبنا ..
كل هذا الموت .. ولم نتعلم بعد ألا نتسبب به, ألا  نزاحمه في خططه الدنيئة.

4 comments:

  1. في الحديث عن الموت كتبتي وأجدتي، لا نقدر ولا نشعر بالموت حقًا إلا في اللحظات الحرجة..
    ولم نعرف كيف نتعامل معه بعد!
    همسة: في السطر الأول من الفقرة الثانية كتبت كلمة "الاسألة" والصواب "الاسئلة".

    ReplyDelete
  2. ‎أنا والموت صديقان، ستتعرّفون عليه قريبًا! .من يعرف مابعد الموت ،يحتمل ان يكون الموت حياة ، والحياة هيا الموت ،ومن يعرف ايضا يحتمل ان تكون الارواح متنقلة عند موتك اكون انا وعند موتك اكون انت وهكذا ..وربما عندما يموت احد منا سيصرخ ويقول الحياة الاتستحق كل هذا القلق ، والموت ايضا

    كلامك رائع ، انا ايضا لم اهتم بالموت او البكاء ع الاحبة لانه بعد ايام او شهور سآكون معهم .

    تحياتي .

    ReplyDelete
  3. وسام يا صديقي أشكرك جداً..

    ReplyDelete
  4. @anonymous لايبدو لموت معنى في معظم الأوقات.. ليتنا نتخلى عن خوفنا منه.
    أشكرك على التعقيب..

    ReplyDelete

الفتى سيء الحظ

       حين دلف له ذه الحانة الصغيرة لم يكن يعلم أن ه سيدخل شابا في مقتبل العمر ويخرج منها كهلا مل هذه الحياة . حين سحب الباب لي...