Tuesday, October 1, 2013

الملعون من السماء





كان اللقاء الأول قبل سنوات في مقهى صغير قرب محطة قطارات سانت بطرسبرغ , كان صباحا بارداً لا يكاد روني يذكر منه الكثير سوى إبتسامتها و ثوبها الريفي البسيط.
لم يكن يجيد اللغة الروسية لذا إكتفى بالنظر إليها و الإبتسام, كان يراقب حركتها بين الطاولات, حديثها الهادئ مع الزبائن, كانت تدون الطلبات في مذكرة صغيرة سوداء اللون بقلم رصاص تظهر عليه علامات العض عند نهايته.
سجل اللحظة بذاكرته, و أغمض عينيه لمحاولة حفظها لأطول فترة ممكنة قبل أن يفتح عينيه و يلوِّح لها بيده.
 إتجهت صوبه بإبتسامة هادئة مستلقية على شفتيها,كان يرى في حركة قدميها مسيراً لا ينتهي, شعر أن ذلك الممر الضيق بين الطاولات قد حال دون تحليقها و هبوطها بين ذراعيه, إنتهى المشهد بمجرد وقوفها أمامه مشيرة لمذكرتها سائلة إياه بالإشارات إذا ما كان بحاجة لشيء آخر.
إكتفى بإخراج محفظته القديمة ودفع ثمن فنجان قهوته تاركاً بقشيشا جيداً لها.

                                   *        *      *

عاد مسرعاً لغرفته في الفندق و بدأ بالكتابة, أراد أن ينهي المشهد الصباحي معها بطريقته الخاصة,وهو القادم لهذه المدينة الباردة بحثاً عن قصة جيدة يكتبها, كان روني يعتقد أن القصص الجيدة تكون مختبئة في أماكن لا يمكن تصورها, في زوايا الشوارع, مختبئة في إبتسامة الغريب المار بجوارك في الطريق, مختبئة في  مدينة صغيرة لا تذكر إسمها أحياناً, من هنا أراد الكتابة عنها, شيء يوصف بقية اللقاء البسيط.
" في الصباح, إلتقيت ملاكاً.. لا أعرف إسمه,ذلك أنه لم يكن بالإمكان سؤال ملاك عن إسمه, مكان اللقاء كان رائعاً, عند حافة القمر, جلسنا ندفئ بعضنا البعض ونأرجح قدمينا في الفراغ, ذاك الفراغ كان كل المحيطيين بنا, لم نكن نشعر بهم, كن نحلق في سماءنا الخاصة".
أقفل دفتره الأسود الكبير واستلقى على ظهره محدقاً في سقف الغرفة.
في الأثناء دخل جورج صائحا: سنتأخر يا رجل, هيا بنا !
_ فالتذهب, لا رغبة لي بالخروج.
_ ولكننا لم نأتي لتمكث في غرفتك, هذا لن يساعدك على تخطي جمود الكتابة و تسليم بقية روايتك للناشر في الوقت المناسب !
_ أخرج من هنا, تحرك!
خرج جورج بصمت, لم يكن يشعر بضرورة إستمرار هذه المجادلة, ذلك ان أن روني يبدو في مزاج جيد رغم ذلك و هذا ما كان يهم.
يمسك قلادته المندسة عميقا في الفجوة بين صدره وقميصه ويقبلها قائلاَ " شكراً للرب, منح صباحي فنجان قهوة جيد وملاك".
ثم إتجه صوب حقائبه التي لم يكن قد أفرغها بعد و جلس فوق الحقيبة الحمراء, الكبيرة واضعا دفتره فوق حجره و بدأ الكتابة مجدداً " في المساء, قررت سرقة هذا الملاك و الإحتفاظ به لنفسي, سيروي أهل القرية أن لعنة ما أصابت قريتهم وأن الملاك الوحيد الذي كان يقيهم شر أنفسهم قد غادرهم بلا رجعة, نرحل سوية, بلا وجهة, نفترش الطرقات اللامنتهية و نتوسد أحلامنا الكبيرة ونعيش الحياة التي لطاما تخيلناها ..... النهاية"
يرمي القلم بعيداً, تعتريه رعشة خفيفة و يبتسم ببطئ ثم يتجه صوب الهاتف مهاتفاً جورج " هيا يا صديقي حان وقت العوة للمنزل, إنتهينا من هذه المدينة".

                                        *       *         *



النهاية الجيدة لا تليق بي لذا حدث التالي :



أقفل دفتره الأسود الكبير واستلقى على ظهره محدقاً في سقف الغرفة.
في الأثناء دخل جورج صائحا: سنتأخر يا رجل, هيا بنا !
_ فالتذهب, لا رغبة لي بالخروج.
_ ولكننا لم نأتي لتمكث في غرفتك, هذا لن يساعدك على تخطي جمود الكتابة و تسليم بقية روايتك للناشر في الوقت المناسب !
_ أخرج من هنا, تحرك!
خرج جورج بصمت, لم يكن يشعر بضرورة إستمرار هذه المجادلة, ذلك ان أن روني يبدو في مزاج جيد رغم ذلك و هذا ما كان يهم.
يمد روني يده لإشعال سيجارة و يعتدل في جلسته ثم يصرخ بنص داعب ذهنه " في المساء عدت للمقهى ذاته, سحبتها من يدها و إتجهنا نحو السماء, حلقّنا لسنوات, لم يكن للزمن تذكرة عبور في قصتنا, في الليل تحتضن ذراعي كطفلة صغيرة, كانت تقول إن هذا يشعرها بالأمان و في الصباح, تشرق الشمس من عينيها في حب و دفء, طالت الرحلة, أحببنا بعضنا بصمت, لم نكن نتحدث, لم نكن نجيد لغة بعضنا البعض لذا كان حباً صادقاً لم نضطر معه للتعامل مع كلمات و مفردات مبطنة, صارت كل ليلة تشد على ذراعي أكثر و كل صباح أدنو منها أكثر لطلب الدفء, حتى صار الجسد واحداً و الروح تقاسم الأخرى محلّها.
في النهاية كان لي أن أشبهني و أشبهها معاً, لكنني مهما أطلت النظر للمرآة لم أكن أعرفني, كنت أنظر لعينيّ مباشرة ولا أتعرف عليهما, ذلك أن الملامح التي كنت أراها لم تكن لي, كانت لها و هي لم تكن تشبه أياً مما عرفت.
صرت أعتادني, أحادثني مساءاً و ألعن الوحدة صباحاً, أعتقد أنني نسيت آخر مرة كانت هنا.. هذا مخيف, كانت هنا, وحين أردنا أن نكون كل شيء, لم نصبح شيئاً, أصبحت وحيداً, حتى صوتها الذي كان يحادثني من حين لآخر قد توقف... محزن, محزن جداً"
" ملعون من السماء.. قال الصوت داخلي للمرة الأخيرة ثم صمت للأبد".

النهاية.

الفتى سيء الحظ

       حين دلف له ذه الحانة الصغيرة لم يكن يعلم أن ه سيدخل شابا في مقتبل العمر ويخرج منها كهلا مل هذه الحياة . حين سحب الباب لي...