Saturday, October 11, 2014

مجرد نهاية أخرى...



إنك لا تدرك أنك تتنفس إلا حين تختنق.
خليفة الفاخري.





أردت لهذا الألم الذي في داخلي أن يخرج, أن يصير ملموساً وأن أستطيع أن أتحرر منه, أردت أن أفتح عيناي وأمسح هذه البرك الصغيرة المتكونة تحتهما من الدموع والتي صارت تتسرب ببطء متجهة نحو خدي حتى وصلت لأذناي.

أردت أن أشيح ببصري عن سقف الغرفة وأنطق صارخة حتى تنتهك صرختي  حرمة الصمت والظلام والخوف, أردت أن أبكي بصوت عالٍ, بصوت مسموع حتى أشعر أن الحروب التي أخوضها مع الألم داخلي هي حقيقية وأني أنتصر بقدر ولو صغير.
كنت أريد أن أبكي بصوت عالٍ وأنا في الدرس, في الطريق للمنزل, أن أبكي وأنا أقود سيارتي متجهة لموعد ما.. أن أبكي  وأنا أكتب حتى يصير بكائي أمراً عادياً فلا يصبح بعد ذلك له معنى..
هذا ما اعتقدته على الأقل ..

وإن كان البكاء غير كافٍ مضت هذه الليلة بصمت كما الليالي السابقة لها, بكيت طويلاً وكان الصوت الوحيد الذي بإمكانك سماعه هو صوت تنفسي مختلطاً بالدموع ثم لا شيء لفترة وجيزة قبل أن يعود صوت شهقة مكلومة ليخترق هدوء تلك الليلة.. خرجت من نوبة البكاء بهدوء كما دخلتها فاستدرت يساراً ودفنت رأسي في الوسادة مجددا.

                 *                               *                                 *

صباحاً كانت الأمور أسهل وأبسط, استيقظت دون عناء بجيوب منتفخة حول عيناي من جميع الاتجاهات حتى بدى وجهي كورم خبيث في صورة مقطعية لأحدهم لكنني لم أهتم حقاً, إذ لم تكن هذه ظاهرة جديدة لذا وقفت أمام تلك المرآة التي تتوسط غرفتي وطفقت أحدق بانعكاسي ..

كم كنت أبدو واهنة وشاحبة  بعينين منتفختين وبشرة سيئة ذات لون وملمس بارد.. هذا لا يطاق ولكنني حقاً لا أهتم ولا يشكل الأمر فرقاً,, لقد كنت مهتمة بأمور أخرى وكان كل مايشغل بالي أن أهزم ألمي, ذاك الذي يسكن دواخلي مهما كلفني الأمر.

تحت الدوش حبست أنفاسي ورفعت رأسي في وجه الماء  المتدفق, كانت المياة باردة جداً, تنهال القطرات على وجهي بكره عميق, كانت ترمي بنفسها في اتجاهي بكل عداوة, كل قطرة كانت كما لو أنها إبرة تنغرس في جلدي, تخيل إذاً كم إبرة شعرت بها تنغرس في وجهي تلك اللحظة.. استمر الأمر لدقيقة ربما ثم بدأت أشعر برئتاي تطلبان الهواء, إن رئتاي سيئتان حقاً ولا قوة لهما للاستغناء عن الهواء كما حال كل الخلق, لم أستجب ,, أردت أن يستمر الألم,, أن أصل لمستوى آخر أتغلب فيه على ما يجري بداخلي, كانت قطرات المياة المنهالة تزيد في شراستها, تسد فتحتي الهواء في أنفي وتخترق شفتاي فأبدو كمن غادر هذه الأرض في صمت نحو أرض أخرى لا يعرف طريقها أحد سواي, كنت أشعر بشعيرات الهواء الصغيرة في رئتاي وهي تنكمش,, وكان الأمر مخيفاً وباعثاً على الإحباط, إذ إن هذا الجسد من المفترض أن يكون لي لكنه ليس كذلك,, إنه قابل للهزيمة قابل للخذلان مني ومنه !

أردت أن أفتح عيناي ولكنني لم أستطع, أردت أن أنظر لوجه معذبي في تلك اللحظة ولكن قطرات المياه لم تكن لتمنحني الفرصة, لم أستطع أن أنظر,, وها هو جسدي يخذلني مجدداً, لا أذكر ماجرى لكنني وجدت نفسي جالسة على أرضية الحمام في مايبدو وأنا مبتعدة عن الدوش لا إرادياً وسامحة لدفعة لا بأس من الهواء باجتياح رئتاي ..

لقد كنت أجلس هناك مثل نهاية ما, نهاية لشيء لا أعرفه.. الأرضية باردة وجسدي صار يرتعد وأسناني أيضا بدأت تهتز في عنف, المشهد بأكمله كان يبدو كنهاية لحدث ما لكنه لم يكن سوى حدث آخر عابر. 

الفتى سيء الحظ

       حين دلف له ذه الحانة الصغيرة لم يكن يعلم أن ه سيدخل شابا في مقتبل العمر ويخرج منها كهلا مل هذه الحياة . حين سحب الباب لي...