" الرقم المطلوب مقفــــل "
للمرة الألف على ما أظن .. ظلت إسطوانة المدار تصرخ بأذني بذات الجملة ..
بدأ الخوف يتسلل لقلبي .. مختفي منذ يومين .. و صفحته على الفيس بوك لم يمسسها منذ يومين..
غريب .. هو لا يختفي هكذا ..
أعدت المحاولة مرارا و تكرارا.. و ضل الرقم مقفلا ..
لا أصدق الأخبار إلا منه .. لكن أينه ؟
لا شك أنهم إعتقلوه .. فهو يعرض نفسه للمواجهة معهم منذ مدة بصفحته تلك " يحدث فقط في ليبيا"
فعلا .. يحدث فقط في ليبيا أن يختطف صاحب صفحة على الفيس بوك !
اليوم .. الجمعة .. 18/2/2011
أي أن البارحة ما كان المفترض به أن يكون يوم الإنتفاضة .. مصراتة لم تنتفض للأن ..
و لا أخبار سوى عن بعض التحركات في بنغازي ..
قناة القنفوذ لا تعرض سوى أغاني الجلسة .. أما الجزيرة و العربية .. فقد بدأتا تعرضان بعض الأخبار و الصور ..
لا أدري ..
يبدو الأمــر أكثر جدية مما ظننت ..
أذكر أني إستيقضت عن وجع .. يدي خدرة .. فقد كنت قد نمت على الأرض و أنا أتابع الأخبار
على قناة الجزيرة..
اليوم .. بدأت إشارة الهاتف بالتقلقل و تدهورت حالة الإتصالات ..
صرت أتصل بصديقتي .. " شن في يا أريج ؟ حداكم شي؟ طمنيني؟؟؟؟؟ !!! "
الحمدلله حتى الآن الأمور بخير .. كل شيء هادئ.. لكنني لست مطمئنة ..
أكره هذا الهدوء المستفز !
أذكر .. أنني كنت بالمطبخ حينها..الساعة لم تتجاوز الثانية الثانية بعد الظهر أرج هاتفي بحتا عن تغطية أفضل..
حين سمعت صوت رجل يصرخ بأقوى أربع كلمات سمعتها بحياتي !
صرخ قائلا " ثــــوري ثـــــوري يا مصــــراتة "
قالها ثلات مرات .. ثم سكت !
هرعت لنافذة المطبخ .. لم ألمحه .. لكنني لمحت عددا من الجيران يركضون بإتجاه الطريق الفرعي لمنتزه الجوهرة
و بعدها حلّ صمت مريب ..
وقفت مشدوهة .. و قلبي يكاد يقفز من صدري من شدة الخفقان ..
حتى الساعة .. مزال صوته يتكرر بأذني ..
يا الله .. كم أثر بيّ هذا الرجل
" ماما.. ماما.. سمعتيه ؟؟ سمعتيه ؟؟ ماما بتتحرك مصراتة بتتحرك "
امسكت يديها و أنا أصرخ بهذه الكلمات ..
بعدها بساعات .. سمعنا إطلاق نار .. و كنت أراقب الأوضاع من نافذة الغرفة.. المطلة سلفا على الطريق الرئيسي المؤدي لميدان التحرير حاليا " ساحة التاكسيات!" سابقا..
رأيت عددا من الرجال يرتدون " صاعقة زرقا" يتوشحون الأخضر و يهرولون بإتجاه الميدان ..
حل الظلام سريعا تلك الليلة ..
لتحل معه أول مفاجآة الثورة ..
أوقدت السماء بلون أحمر برتقالي وسط صوت مذووي.. لم أعهده قبلا ..
صرحت " حي محلاااهم !" ..
صرخ أخي بوجهي .. " هذو 14.5 يا بنت !" !!
الأمر تحول من مجرد محلاهم .. إلى إطفاء جميع أضواء المنزل تحسبا لأي طارئ ..
لم ننم تلك الليلة..
فقد جاءنا خبر سقوط أول شهيد في مصراتة ..
خالد أبوشحمة .. كتبه الله من الشهداء و أسكنه الجنة ...
إنتهت الليلة .. لكن لم تنتهي الحكاية !