هنا, وعند الرُكن تماماً أجلس بهدوء على غير عادتي, أجلس على هذا الكرسي المهترئ اللعين, هذا الكرسي الجامد القابع هنا في هذه الغرفة منذ سنوات كما يبدو من منظره, كان قد مزق سروالي سابقاً بسبب الشظايا و المسامير الناتئة منه نتيجة محاولة إصلاحه, و عبثاً كانت المحاولة !
لا أذكر الكثير من صباح اليوم, كان مزعجاً كعادته, أستمع لكلمات يتيمة تخرج من فم رجل أربعيني بلحية طويلة و لكنة مختلفة, أستمع له و أتسائل, من يا ترى حَكّمهُ في أمرنا؟
أنا, وغيري من الجالسين في هذه الغرفة الصغيرة المزدحمة بنا, نحن طلاّب العلم, طلاّب العلا!
أغيب في كلماته المبهمة و أبتسم بلا سبب أحيانا, أعتدل في جلستي و أمسك قلم وورقة لأرسم بعض الأشكال البسيطة, إبتسمت مجدداً و رفعت الورقة, رفعتها لأنفي و شممتها.
كانت ورقة, خفيفة, ضعيفة, تحركها الرياح, تتلفها دمعة مشتاق إن كتب أو غضب كاتب إن أخطأ.
لم أستطع التوقف عن التفكير بحقيقة أن حياتنا البائسة هذه مبنية على أوراق, كومة أوراق لا غير !
يوم أبصرت النور, و أنا أبكي, حالي حال كل المقبلين على هذه الحياة لفوا معصمي بسوار ورقي عليه إسم والدتي, و هنا بدأت علاقتي الحميمة مع الأوراق.
يوم أخرجوني من المستفشى وقعوا "أوراقاً" و دفعوا ثمن ولادتي "أوراقاً" نقدية, و إتجهوا بي بعد أيام ليثبتوا ملكيتهم لي على ورق ,, ورق يسمى شهادة ميلادي.
بإسم, و تاريخ ميلاد... كانت تحدد هويتي, أُمنح ما لم أختره, إسم, عائلة, ووطن !
أَكّبُر,, فيزيد الطلب على الورق.. أدرس, أكتب, أقرأ,, على ورق.
ترسّل الملاحظات على ورق, تقاس شخصيتي و كينونتي, وكل تصرفاتي لتُترجم على ورق.
أسعى للأمام, أنجح, و إن رسبت فأيضا على ورق !
مرضت, فإتجهت أبحث عن علاج وكان ناتجي من التجربة كومة ورق وبعض الغرز بجسدي.
لا تنتهي, حلقة تدور حول الورق لا حول نفسها !
أنهيت تساؤلي.. بسؤال صريح:
من غير الورق يتبنى ألمنا؟ حرننا؟ إشتياقنا؟!
ماذا لو لملمت كل الأوراق التي سعيت لها في حياتي, و الأوراق التي لم أسعى لها, كل ما يحدد هويتي و كينونتي, كل شيء تمام و أحرقته ؟!
ماذا لو ؟
كانت الإجابة مبهمة, ماذا سأكون في عالم ورقي هش؟
يلي هذا حقيقة أنا تمردي الصغير هذا على الورق ما هو إلا نفاق لنفسي, جلوسي هنا في هذه اللحظة ماهو إلا ناتج مسعايّ للحصول على ورقة .. ورقة كنت قبل قليل ألعن حقيقة سيطرتها على حياتنا.
ورقة مفادها, أني أنا .. نورا الزروالي, ولدت, و عشت لأتعلم و أدرس, و تخرجت !
حالي حال السابقين و اللاحقين !
ثم قفز الآتي إلى ذهني:
ماذا بعد أن أموت؟
يكتب إسمي على ورقة, بها تاريخ ميلادي وموتي, وما بينهما ورقة واحدة تختزل حياة كاملة عشتها !
أي أني سأكون مجرد كائن يظن أنه أفضل ما في الوجود, ليعيش و يموت .... على ورقة !
ورقة ... ذلك الكيان البسيط.. الكيان اللامنتمي.
شجرة, ربما كانت صغيرة, في غابة ما, في زمن معين, شجرة قد تبّول عليها حيوان ضعيف لتحديد منطقته و فرض ذكورته على الباقيين, حيوان لا يحتاج لورقة بقدر إحتياجه لحياة !
الأربعاء
27/3/2013
ورقة تركت في داخلك كل هذه التساؤلات !!
ReplyDeleteعجبا هنا يقبع الخيال :)
تركت الكثير من كل شيء.
ReplyDelete