قبل الشروع في الكتابة هذه المرة ... وجب عليّ تحضير ألف إعتذار و إعتذار .
لكني لا أعتذر .. ومن ثمَ فليذهبوا للجحيم بتذكرة .. من الدرجة الأولى أو ربما من الدرجة الصفر !
كانت الرابعة عصرا و "مكيف " سيارتنا معطل, الحرارة خارجا لا تطاق و الزحام شديد في هذا المكان, وجوه عابسة و أخرى حزينة و الكثير الكثير من الأوراق و الطوابير حول ذلك الباب الصغير.
و أنا أكره الإنتظار .. خصيصا
عندما يخص الأمر أوراقا ومعاملات حكومية, هنا أشعر أني "تؤلول" أتطفل
على كيانهم رغم أني فعلا "في حالي".
تقدمت عبر الطوابير .. و أنا عادة لا أحترم قواعد الإنتظار .. فهم رجال و أنا وحدي فتاة.. لن أنتظر !
تقدمت نحو ذلك الباب .. طرقته و دخلت.
الفتاة جالسة خلف مكتبها و بإبتسامة مستهلكة مدت يدها نحو لتمسك الأوراق " بديري تحليل للشهادة الصحية ؟" أجبت " ايه"
تقدمت عبر الطوابير .. و أنا عادة لا أحترم قواعد الإنتظار .. فهم رجال و أنا وحدي فتاة.. لن أنتظر !
تقدمت نحو ذلك الباب .. طرقته و دخلت.
الفتاة جالسة خلف مكتبها و بإبتسامة مستهلكة مدت يدها نحو لتمسك الأوراق " بديري تحليل للشهادة الصحية ؟" أجبت " ايه"
" خوذي رقم من
غادي".. اتجهت للمكان الذي أشارت له و أخدت رقم وعدت أدراجي نحوها.
كان الزحام شديدا شد إنتباهي وجود ممرضة للنساء وممرض للرجال للقيام بإجراءات التحاليل.
كان الزحام شديدا شد إنتباهي وجود ممرضة للنساء وممرض للرجال للقيام بإجراءات التحاليل.
لكن و لشدة الزحام تقدم نحوي رجل أربعيني أظنه مجرد موظف ولا يبدو أنه يمت للطب بصلة " وين الإبرة" وجه سؤاله للفتاة الجالسة و أنا أنظر بإستغراب " بيسحبلي هذا و لا شن.. تي كيف كان واقف شاد الأوراق ف الباب !!" أحدث نفسي في ذهول.
و ماهي الا لحظات حتى وجدته امامي يأمرني "هاتي ايدك" !
سحب ذراعي الأيسر نحوه لكني أدرت وجهي للجهة الأخرى .. أكره رؤيتهم يسحبون دمي .. يأخذون مني دمي .. بكل ما فيه مني .. من ذكرياتي,, من أحزاني و كل ما هو ملكي .
لم يكفيهم أن أخذوا مني هويتي
و إنتمائي ,, اليوم هم هنا ليأخذوا دمي !
إنتهي الأمر في ثواني .. لكنه كان موجعا .. بحجم الوجع الذي يلازمني من هذا البلد و أهل هذا البلد .. بحجم الكراهية و العنصرية التي تتنفسني هنا و أختنق بها مراراً.
أنا لا أطالب بشيء.. أنا أنتظر إنتهاء المعاملات الورقية لأسافر.. لكي أسافر وجب تجديد إقامة تواجدي هنا, و لأن إقامتي منتهية الصلاحية و لأنني " أجنبيه" سترضع الخزينة من ثدي جيب أبي, ذلك الرجل الستيني الطيب.
"خليهم يدفعوا شن يبوا حتى هما ببلاش ساد يجونا و ياخدو فلوسنا" تحرشت هذه الكلمات بمسمعي و أنا في طابور أخر من طوابير "الأجانب" في مصلحة الجوازات فرع مصراتة لكني لم أهتم, سمعت ما هو أفظع من ذلك !
كان موجعا, أني ولدت هنا .. وتعلمت المشي فوق هذا التراب و تنفست ذات الهواء, لكني " أجنبية" و سأبقى " أجنبية"
أذكر الكثير .. الكثير من المواقف حيث ترتسم علامات التعجب عندما يصدر تعليق عنصري من شخص أمامي فأرد " حتى أنا مش ليبية" و يتم "ترقيع" الموقف بإبتسامة بليدة لا أحبها !
هنا فقط .. يروون "الأجنبي" إستغلالي, و يطمع في ثروات البلد و قد "يكحل" في نساء البلد و ويل له إن كانت حالته المادية أفضل من ابن البلد !
هنا فقط " العمالة الأجنبية" أقل بشرية منهم, رغم أن المواطن الليبي السامي لا يستطيع العيش بدون " سباك و نجار و بناي أجنبي" !
هنا فقط " الأجنبي " يعامل كتؤلول غير مرغوب به وكمخلوق أقل رتبة من ابن البلد.
بإمكاني القول أني أكره هذا المكان كثيرا و أحبه أكثر, أحببتها الثورة ,, كانت تجربة غريبة غيرت الكثير . لكن مالبت الوضع أن عاد للأسوء إختلف حال الناس هنا عندما إقترب الموت منهم و صار قاب قوس أو أدنى كانوا أكثر ألفة و محبة للغير لكنهم اليوم أسوء مما كانوا عليه قبلا !
أحزن كثيرا لحال هذا الوطن لكن هذا الوطن لا يأبه بي البتة !
وطني .. بالكاد أتعرف عليه ,, لا أحمله سوى بين صفحات جواز سفري .. الوطن الذي أحمله كاكسجين في رئتيّ هو ليبيا ,, لكنني أختنق بعنصريته !
ذراعي خدرة و قطع القطن الطبي تلك غرقت بدمائي, قطع الرجل أفكاري قائلا " اضغطي عليها كويس" و أنا أهز رأسي بصمت.
كان الوجع في كل مكان .. ذراعي, قلبي, ذاكرتي و الكثير غيرهم.
حملت نفسي و أوراقي و خرجت من الباب متجهة نحو الغرفة المجاورة لإكمال الإجراءات.
ذراعي تؤلمني بشدة و الدماء لا تتوقف أكملت ما تبقى وخرجت مجددا من وسط زحام العمالة " الأجنبية" كانوا أناساً جاؤوا يطلبون لقمة العيش لهم و لأسرهم لكنهم يعاملون كقطعان الخراف !
في الطريق للبيت .. و أنا مرتمية على الكرسي الخلفي للسيارة أضغط على ذراعي الأيسر .. قررت نزع قطعة القطن تلك, لكني دهشت ! .. ما كان يفترض به أن يكون أثر رأس إبرة كان شقاً طوليا "حوالي 5 ملم" صرخت بوجه أخي " هذا علاش ما نحبش نمشي للعيادات و المستشفيات الليبية.. مزطو العِرق وشوهولي ايدي !!!!! "
إنتهي الأمر في ثواني .. لكنه كان موجعا .. بحجم الوجع الذي يلازمني من هذا البلد و أهل هذا البلد .. بحجم الكراهية و العنصرية التي تتنفسني هنا و أختنق بها مراراً.
أنا لا أطالب بشيء.. أنا أنتظر إنتهاء المعاملات الورقية لأسافر.. لكي أسافر وجب تجديد إقامة تواجدي هنا, و لأن إقامتي منتهية الصلاحية و لأنني " أجنبيه" سترضع الخزينة من ثدي جيب أبي, ذلك الرجل الستيني الطيب.
"خليهم يدفعوا شن يبوا حتى هما ببلاش ساد يجونا و ياخدو فلوسنا" تحرشت هذه الكلمات بمسمعي و أنا في طابور أخر من طوابير "الأجانب" في مصلحة الجوازات فرع مصراتة لكني لم أهتم, سمعت ما هو أفظع من ذلك !
كان موجعا, أني ولدت هنا .. وتعلمت المشي فوق هذا التراب و تنفست ذات الهواء, لكني " أجنبية" و سأبقى " أجنبية"
أذكر الكثير .. الكثير من المواقف حيث ترتسم علامات التعجب عندما يصدر تعليق عنصري من شخص أمامي فأرد " حتى أنا مش ليبية" و يتم "ترقيع" الموقف بإبتسامة بليدة لا أحبها !
هنا فقط .. يروون "الأجنبي" إستغلالي, و يطمع في ثروات البلد و قد "يكحل" في نساء البلد و ويل له إن كانت حالته المادية أفضل من ابن البلد !
هنا فقط " العمالة الأجنبية" أقل بشرية منهم, رغم أن المواطن الليبي السامي لا يستطيع العيش بدون " سباك و نجار و بناي أجنبي" !
هنا فقط " الأجنبي " يعامل كتؤلول غير مرغوب به وكمخلوق أقل رتبة من ابن البلد.
بإمكاني القول أني أكره هذا المكان كثيرا و أحبه أكثر, أحببتها الثورة ,, كانت تجربة غريبة غيرت الكثير . لكن مالبت الوضع أن عاد للأسوء إختلف حال الناس هنا عندما إقترب الموت منهم و صار قاب قوس أو أدنى كانوا أكثر ألفة و محبة للغير لكنهم اليوم أسوء مما كانوا عليه قبلا !
أحزن كثيرا لحال هذا الوطن لكن هذا الوطن لا يأبه بي البتة !
وطني .. بالكاد أتعرف عليه ,, لا أحمله سوى بين صفحات جواز سفري .. الوطن الذي أحمله كاكسجين في رئتيّ هو ليبيا ,, لكنني أختنق بعنصريته !
ذراعي خدرة و قطع القطن الطبي تلك غرقت بدمائي, قطع الرجل أفكاري قائلا " اضغطي عليها كويس" و أنا أهز رأسي بصمت.
كان الوجع في كل مكان .. ذراعي, قلبي, ذاكرتي و الكثير غيرهم.
حملت نفسي و أوراقي و خرجت من الباب متجهة نحو الغرفة المجاورة لإكمال الإجراءات.
ذراعي تؤلمني بشدة و الدماء لا تتوقف أكملت ما تبقى وخرجت مجددا من وسط زحام العمالة " الأجنبية" كانوا أناساً جاؤوا يطلبون لقمة العيش لهم و لأسرهم لكنهم يعاملون كقطعان الخراف !
في الطريق للبيت .. و أنا مرتمية على الكرسي الخلفي للسيارة أضغط على ذراعي الأيسر .. قررت نزع قطعة القطن تلك, لكني دهشت ! .. ما كان يفترض به أن يكون أثر رأس إبرة كان شقاً طوليا "حوالي 5 ملم" صرخت بوجه أخي " هذا علاش ما نحبش نمشي للعيادات و المستشفيات الليبية.. مزطو العِرق وشوهولي ايدي !!!!! "